Abū al-Faraj ʻAbd al-Raḥmān ibn ʻAlī Ibn al-Jawzī

بعض هذه الطرائف مضحك للغاية، لكن جامدة في أغلبها. ما أثار اهتمامي أكثر من النكات هو نمط الحياة وطبيعة العلاقات الاجتماعية في تلك الأزمان البعيدة، حيث يمكن للقارئ استنباطها من بين السطور. يُلاحَظ أيضاً تكرار بعض الأخبار والقصص مع اختلاف تفاصيلها، كتغيير أبطال القصة أو تغيير أقوالهم، فتتعذّر معرفة الأصل. وإن دلّ ذلك على شيء فهو كثرة الشوائب في كل ما وصلنا عن طريق التواتر بدون استثناء، ومعه استحالة الثقة بالأصول والمراجع. لعل أبلغ من عبّر عن ذلك هو ابن النفيس في كتابه «المختصر في علم أصول الحديث» حيث قال ما معناه أن جميع ما بين أيدينا من أخبار إنما نتبع بها غالب الظن وليس العلم المحقق.
بالإضافة إلى أنها لم تكن قراءة سهلة نظراً لصعوبة اللغة أحياناً وغرابة المفردات.
لا بأس بالمجمل.… (altro)

كم مرة خطرت للواحد منا الكثير من الأفكار والتساؤلات والحيرة في بعض شئون الدنيا والخلق!
هل تناولنا مثل هذه الخطرات بالتأمل والتفكر أم تجاهلناها وتعوذنا بالله من بعضها لجرائتها أحيانا
إن هذه الأفكار حين تثار في عقل عالم ذي همة عالية مثل ابن الجوزي فسنجد الكثير من الفوائد والحكمة
فقد كان رحمه الله يدون كل ما يخطر بباله من أفكار وتأملات ويفندها ويستخلص ما هو مفيد لدينه
فالحكمة ضالة المؤمن ويبحث عنها في كل ما يمر أمامه من أفاعيل الخلائق ومن تجاربه وخبراته الذاتية
سمي الكتاب "صيد الخاطر" لأنه كان يدون كل ما يلوح علي عقله من أفكار قبل أن تتطاير وتذهب بدون إفادة للناس مما توصل له
الكتاب ليس علميا بحتا بل إن ابن الجوزي كان يحدثك بخطرات نفسه وبآرائه النفيسة حقا لما له من همة عالية في طلب العلوم المختلفة وعلم موسوعي غزير وجرأة في الحق
هناك بعض التكرار أحيانا لبعض الأفكار وأعتقد أنه أراد به التثبيت للرأي في بعض القضايا التي تشغل باله مثل التزهد الظاهري والذي يطلب به ود سلطان أو مباهاة أمام الناس، هو لا يهاجم المتصوفة أو الزهاد بقدر ما يهاجم الأفعال الخاطئة والرياء عند بعض من يتظاهرون بالزهد
كما ذم مغالاة البعض في إهانة جسده بقلة طعام أو تعسف في عادات لم يأمر بها الله ورسوله لأن هذا من شأنه إضعاف همته في تحصيل علم أو تأدية فروض وعبادات
أمور أخري قد تكررت في أكثر من موضع كالتسليم لقضاء الله وعدم التسخط علي الأقدار وأن هذه دار ابتلاء لا دار قرار وأننا أحيانا كثيرة لا ندري الحكمة من وراء الأحداث فلا ينبغي الجزع
هناك أيضا حب العزلة والبعد عن المخالطة الكثيرة للناس لأنها تورث النميمة وزلات اللسان وضعف الهمة
يعيب فقط عليه في بعض المواضع القليل من المآخذ مثل نظرته الدونية لأسود اللون "ذكرت في جملة واحدة في آخر الكتاب" وأيضا نظرته للمرأة وإن كان بها شيء من الصحة ولكن التعميم مرفوض
فيما عدا هذا، الكتاب رائع ولا ينصح بقرائته بسرعة لأن أفكاره دسمة وغزيرة لكي تتم الإستفادة منه علي أكمل وجه… (altro)